كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: كيف صحت المناحبة وإنما هي قمار؟
أجيب: بأن قتادة رحمه الله تعالى قال: كان ذلك قبل تحريم القمار، وقال الزمخشري: ومذهب أبي حنيفة ومحمد أن العقود الفاسدة من عقود الربا وغيرها جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار وقد احتجا على صحة ذلك بما عقده أبو بكر رضي الله عنه بينه وبين أبي بن خلف. ولما كان تغلب ملك على ملك من الأمور الهائلة وكان الإخبار به قبل كونه أهول ذكر علة ذلك بقوله تعالى: {لله} أي: وحده {الأمر من قبل} أي: قبل جولة فارس على الروم ثم دولة الروم على فارس {ومن بعد} أي: بعد دولة الروم عليهم ودولتهم على الروم، ولما أخبر تعالى بهذه المعجزة أخبر بمعجزة أخرى بقوله تعالى: {ويومئذ} أي: تغلب الروم على فارس {يفرح المؤمنون} أي: العريقون في هذا الوصف من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
{بنصر الله} أي: الذي لا رادّ لأمره للروم على فارس، وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبريل عليه السلام بذلك فيه مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه، قال السدي: فرح النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك، وعن أبي سعيد الخدري: وافق ذلك يوم بدر وفي هذا اليوم نصر المؤمنون. {ينصرُ من يشاء} من ضعيف وقوي لأنه لا مانع له ولا يسأل عما يفعل، فالغلبة لا تدل على الحق بل الله قد يزيد ثواب المؤمن فيبتليه ويسلط عليه الأعادي، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر قبل يوم المعاد {وهو العزيز} فلا يعز من عادى ولا يذل من والى، وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء والباقون بالضم، ولما كان السياق لبشارة المؤمنين قال: {الرحيم} فيخصهم بالأعمال الزكية والأخلاق المرضية.
{وعد الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال، مصدر مؤكد ناصبه مضمر أي: وعدهم الله ذلك وعدًا بظهور الروم على فارس {لا يخلف الله} أي: الذي له الأمر كله {وعده} به، وهذا مقرّر لمعنى هذا المصدر، ويجوز أن يكون قوله تعالى: {لا يخلف الله وعده} حالًا من المصدر فيكون كالمصدر الموصوف فهو مبين للنوع كأنه قيل: وعد الله وعدًا غير مخلف {ولكن أكثر الناس} لجهلهم وعدم تفكرهم {لا يعلمون} ذلك. وقوله تعالى: {يعلمون} بدل من قوله تعالى: {لا يعلمون} وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه ليعلمه أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يجاوز الدنيا {ظاهرًا من الحياة الدنيا} يفيد أن للدنيا ظاهرًا وباطنًا: فظاهرها: ما يعرفه الجهال من أمر معايشهم كيف يكسبون ويتجرون ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون وكيف يبنون ويعرشون، قال الحسن: إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه وهو لا يخطئ، وهو لا يحسن يصلي. وأمثال هذا الهم كثير وهو وإن كان عند أهل الدنيا عظيمًا فهو عند الله حقير فلذلك حقره لأنهم ما زادوا فيه على أن ساووا البهائم في إدراكها ما ينفعها فتستجلبه بضروب من الحيل، وما يضرها فتدفعه بأنواع من الخداع، وأما علم باطنها: وهو أنها مجاز إلى الآخرة يتزوّد منها بالطاعة فهو ممدوح، وفي تنكير الظاهر إشارة إلى أنهم لا يعلمون إلا ظاهرًا واحدًا من جملة ظواهرها {وهم} أي: هؤلاء الموصوفون خاصة {عن الآخرة} أي: التي هي المقصودة بالذات، وما خلقت الدنيا إلا للتوصل بها إليها ليظهر الحكم بالقسط وجميع صفات العز والكبر والجلال والإكرام {هم غافلون} أي: في غاية الاستغراق والإضراب عنها بحيث لا تخطر في خواطرهم.
تنبيه:
هم الثانية يجوز أن تكون مبتدًا، وغافلون خبره، والجملة خبر هم الأولى، وأن تكون تكريرًا للأولى، {وغافلون} خبرًا للأولى، وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرّها ومعلمها، وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع.
{أولم يتفكروا} أي: يجتهدوا في إعمال الفكر، وقوله تعالى: {في أنفسهم} يحتمل أن يكون ظرفًا كأنه قيل: أَوَلَمْ يحدثوا الفكر في أنفسهم أي: في قلوبهم الفارغة من التفكر، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين كقولك: اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك. وأن يكون صلة أي: أو لم يتفكروا في أحوالها خصوصًا فيعلموا أن من كان منهم قادرًا كاملًا لا يخلف وعده وهو إنسان ناقص فكيف بالإله الحق. ويعلموا أن الذي ساوى بينهم في الإيجاد من العدم وطورهم في أطوار الصور، وفاوت بينهم في القوى والقدر، وبين أحوالهم في الطول والقصر، وسلط بعضهم على بعض بأنواع الضرر، ومات أكثرهم مظلومًا قبل القصاص والظفر، لابد في حكمته البالغة من جمعه العدل بينهم في جزاء من وفى أو غدر، أو شكر أو كفر. ففي ذلك دلالة على وحدانية الله تعالى وعلى الحشر، ثم ذكر تعالى نتيجة ذلك وعلله بقوله في أسلوب التأكيد لأجل إنكارهم. وعلى التقدير الأوّل يكون المتفكر فيه {ما خلق الله} أي: بعز جلاله وعلوه في كماله {السموات والأرض} على ما هما عليه من النظام المحكم والقانون المتقن، قال البقاعي: وإفراد الأرض لعدم دليل حسي أو عقلي يدلهم على تعدّدها بخلاف السماء ا.ه وقد يردّ هذا بقوله تعالى: {خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ}.
{وما بينهما} من المعاني التي بها كمال منافعهما {إلا} خلقًا متلبسًا {بالحق} أي: الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، فإذا ذكر البعث الذي هو مبدأ الآخرة التي هذا أسلوبها وجد الواقع في تصوير النطف ونفخ الروح وتمييز الصالح منهما للتصوير من الفاسد يطابق ذلك، وإذا تدبر النبات بعد أن كان هشيمًا قد نزل عليه الماء فزها واهتز وربا وجده مطابقًا لأمر البعث، وإذا ذكر القدرة فرأى اختلاف الليل والنهار وسير الكواكب الصغار والكبار، وإمطار الأمطار وإجراء الأنهار، ونحو ذلك من الأسرار رآه مطابقًا لكل ما يخطر بالبال، ولما كان عندهم أن هذا الوجود حياة وموت لا إلى نفاد قال تعالى: {وأجل} لابد أن ينتهي إليه {مسمى} أي: في العلم من الأزل، لذلك يفنى عند انتهائه وبعده البعث، ولما كانوا ينكرون أنهم على كفر أكد قوله تعالى: {وإن كثيرًا من الناس} مع ذلك على وضوحه {بلقاء ربهم} أي: الذي ملأهم إحسانًا برجوعهم في الآخرة إلى العرض عليه للثواب والعقاب {لكافرون} أي: لا يؤمنون بالبعث بعد الموت.
فإن قيل: ما الفائدة في قوله تعالى هاهنا {وإن كثيرًا من الناس} وقال من قبل {ولكن أكثر الناس}؟
أجيب: بأن فائدته أنه من قبل لم يذكر دليلًا على الأصلين وههنا قد ذكر الدلائل الراسخة والبراهين اللائحة، ولا شك في أن الإيمان بعد الدليل أكثر من الإيمان قبل الدليل. فبعد الدليل لابد أن يؤمن من ذلك جمع فلا يبقى الأكثر كما هو، فقال بعد إقامة الدليل: و{إن كثيرًا} وقال قبله: {ولكن أكثر الناس} لأنه بعد الدليل لا يمكن الذهول عنه وهو السموات والأرض لأن من البعيد أن يذهل الإنسان عن السماء التي فوقه والأرض التي تحته، فلهذا ذكر ما يقع الذهول عنه وهو أمثالهم وحكاية أشكالهم فقال: {أو لم يسيروا في الأرض} أي: سير اعتبار، وقوله تعالى: {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} من الأمم وهي إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم تقريرًا لسيرهم في أقطار الأرض، ونظرهم إلى آثار المدمرين كعاد وثمود {كانوا أشدّ منهم} أي: العرب {قوّة} أي: في أبدانهم وعقولهم {وأثاروا الأرض} أي: حرثوها وقلبوها للزرع والغرس والمعادن والمياه وغير ذلك {وعمروها} أي: أولئك السالفون {أكثر مما عمروها} أي: هؤلاء الذين أرسلت إليهم بل ليس لهم من إثارة الأرض وعمارتها كبير أمر، فإن بلاد العرب إنما هي في جبال سود، وفياف غبر، فما هو إلا تهكم بهم وبيان لضعف حالهم في دنياهم التي لا فخر لهم بغيرها {وجاءتهم رسلهم بالبينات} أي: بالحجج الظاهرات مثل ما أتاكم به رسولنا من وعودنا الصادقة وأمورنا الخارقة كأمر الإسراء وما أظهر فيه من الغرائب كالإخبار: بأن العير تقدم في يوم كذا يقدُمها جمل صفته كذا وغرائره كذا فظهر كذلك وما آمنتم به كما لم يؤمن من كان أشدّ منكم قوّة {فما} أي: تسبب أنه ما {كان الله} أي: على مالهم من أوصاف الكمال مريدًا {ليظلمهم} بأن يفعل معهم فعل من تعدونه أنتم ظالمًا بأن يهلكهم في الدنيا ثم يقتص منهم في القيامة قبل إقامة الحجة عليهم بإرسال الرسل بالبينات {ولكن كانوا} بغاية جهدهم {أنفسهم} أي: خاصة {يظلمون} أي: يجدّدون الظلم لها بإيقاع الضر موقع مجلب النفع.
{ثم كان عاقبة} أي: آخر أمر {الذين أساؤا} وقوله تعالى: {السوأى} تأنيث الأسوأ وهو الأقبح كما أن الحسنى تأنيث الأحسن، والمعنى: أنهم عوقبوا في الدنيا بالدمار ثم إن عاقبتهم السوأى، إلا أنه وضع المظهر موضع المضمر، أي: العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة وهي جهنم التي أعدت للكافرين. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو عاقبة بالرفع على أنها اسم كان والسوأى خبرها، والباقون بالنصب على أنها خبر كان. وقيل: السوأى اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة، وإساءتهم {أن} أي: بأن {كذبوا بآيات الله} أي: القرآن. وقيل: تفسير السوأى ما بعده وهو قوله تعالى: {أن كذبوا} أي: ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب، حملتهم تلك السيئات على أن كذبوا بآيات الله {وكانوا بها} مع كونها أبعد شيء عن الهزء {يستهزئون} أي: يستمرون على ذلك بتحديده في كل حين. ولما كان حاصل ما مضى أنه تعالى قادر على الإعادة كما قدر على الابتداء صرح بذلك في قوله تعالى: {الله} أي: المحيط علمًا وقدرة {يبدأ الخلق} أي: بدأ منه ما رأيتم وهو يجدد في كل وقت ما يريد من ذلك كما تشاهدون {ثم يعيده} أي: خلقهم بعد موتهم أحياء، ولم يقل يعيدهم لرده إلى الخلق {ثم إليه ترجعون} للجزاء فيجزيهم بأعمالهم، وقرأ أبو عمرو وشعبة بالياء على الغيبة على النسق الماضي والباقون بالتاء على الخطاب أي: إليه ترجعون معنى في أموركم كلها في الدنيا وإن كنتم لقصور النظر تنسبونها للأسباب، وحسًا بعد قيام الساعة، وهي أبلغ من القراءة الأولى؛ لأنها أنص على المقصود، ولما ذكر الرجوع أتبعه ببعض أحواله بقوله تعالى: {يوم تقوم الساعة} سميت بذلك إشارة إلى عظيم القدرة عليها مع كثرة الخلائق على ما هم فيه من العظماء والكبراء والرؤساء {يبلس المجرمون} أي: يسكت المشركون لانقطاع حجتهم، فالإبلاس أن يبقى يائسًا ساكتًا متحيرًا. يقال: ناظرته فأبلس. ومنه الناقة المبلاس أي: التي لا ترغو، وقال مجاهد: مفتضحون، وقال قتادة: المعنى: ييأس المشركون من كل خير، ولما كان الساكت ربما أغناه عن الكلام غيره نفي ذلك بقوله تعالى محققًا له بجعله ماضيًا.
{ولم يكن} ومعناه لا يكون {لهم من شركائهم} أي: ممن أشركوهم بالله وهم الأصنام {شفعواء} ينقذونهم مما هم فيه ليتبين لهم غلطهم وجهلهم المفرط في قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ولما ذكر تعالى حال الشفعاء معهم ذكر حالهم مع الشفعاء بقوله تعالى: {وكانوا بشركائهم} أي: خاصة {كافرين} أي: متبرئين منهم بأنهم ليسوا بآلهة، وقيل: كانوا في الدنيا كافرين بسببهم، وكتب شفعاء في المصحف بواو قبل الألف كما كتب علماء بني إسرائيل، وكذلك كتب السوأى بألف قبل الياء إثباتًا للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها.
{ويوم تقوم الساعة} أي: ويا له من يوم، وزاد في تهويله بقوله تعالى: {يومئذٍ يتفرّقون} أي: المؤمنون الذين يفرحون بنصر الله والكافرون فرقة لا اجتماع بعدها، هؤلاء في عليين وهؤلاء في أسفل سافلين كما قال عز من قائل.
{فأمّا الذين آمنوا} أي: أقروا بالإيمان بأنفسهم {وعملوا} تصديقًا لإقرارهم {الصالحات فهم} أي: خاصة {في روضة} وهي أرض عظيمة جدًا منبسطة واسعة ذات ماء غدق ونبات معجب بهيج. هذا أصلها في اللغة، قال الطبري: ولا نجد أحسن منظرًا ولا أطيب نشرًا من الرياض اه والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه. والروضة عند العرب: كل أرض ذات نبات وماء. ومن أمثالهم: أحسن من بيضة في روضة، يريدون بيضة النعامة {يحبرون} قال أبو بكر بن عياش: التيجان على رءوسهم، وقال أبو عبيدة: يسرون أي: على سبيل التجدد كل وقت سرورًا تشرق له الوجوه وتبسم الأفواه وتزهر العيون فيظهر حسنها وبهجتها، فتظهر النعمة بظهور آثارها على أسهل الوجوه وأيسرها، وقال ابن عباس: يكرمون، وقال قتادة: ينعمون، وقال الأوزاعي عن يحيى بن كثير: يحبرون هو السماع في الجنة، وقال الأوزاعي: إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت، وقال: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتًا من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم.
وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الجنة وما فيها من النعيم وفي آخر القوم أعرابيّ قال يا رسول الله هل في الجنة من سماع؟ قال: «نعم يا أعرابي إنّ في الجنة نهرًا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خوصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة» قال الدارمي: فسألت أبا الدرداء بم يتغنين قال: بالتسبيح وروي أن في الجنة لأشجارًا عليها أجراس من فضة فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحًا من تحت العرش فتقع في تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربًا.
{وأما الذين كفروا} أي: غطوا ما كشفته أنوار العقول {وكذبوا} عنادًا {بآياتنا} التي لا أصدق منها ولا أضوأ من أنوارها بما لها من عظمتنا وهو القرآن {ولقاء الآخرة} أي: بالبعث وغيره {فأولئك} أي: البغضاء البعداء {في العذاب} الكامل لا غيره {محضرون} أي: مدخلون لا يغيبون عنه.
{فسبحان الله} أي: سبحوا الله تعالى بمعنى صلوا {حين تمسون} أي: حين تدخلون في المساء وفيه صلاتان: المغرب والعشاء {وحين تصبحون} أي: تدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح. وقوله تعالى.
{وله الحمد في السموات والأرض} اعتراض ومعناه: يحمده أهلهما. وقوله تعالى: {وعشيًا} عطف على حين وفيه صلاة العصر {وحين تظهرون} أي: تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر، قال نافع بن الأزرق لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في مواقيتها في القرآن؟ فقرأ هاتين الآيتين وقال: جمعت الآيتان الصلوات الخمس ومواقيتها، وإنما خص هذه الأوقات مع أن أفضل الأعمال أدومها؛ لأنّ الإنسان لا يقدر أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح لأنه محتاج إلى ما يعيشه من مأكول ومشروب وغير ذلك، فخفف الله عنه العبادة في غالب الأوقات وأمره بها في أوّل النهار ووسطه وآخره وفي أوّل الليل ووسطه فإذا صلى العبد ركعتي الفجر فكأنما سبح قدر ساعتين، وكذلك باقي الركعات وهن سبع عشرة مع ركعتي الفجر، فإذا صلى الإنسان الصلوات الخمس في أوقاتها فكأنما سبح الله سبع عشرة ساعة من الليل والنهار، بقي عليه سبع ساعات من جميع الليل والنهار وهي مقدار النوم، والنائم مرفوع عنه القلم فيكون قد صرف جميع أوقاته بالتسبيح في العبادة، أو بمعنى: نزهوه من السوء بالثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدد فيها من نعم الله تعالى الظاهرة.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» وعنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال وزاد عليه» وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» وعن جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها أنه خرج ذات غداة من عندها وكان اسمها برّة فحوّله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماها جويرية فكره أن يقال خرج من عند برّة، فخرج وهي في مسجدها أي: مصلاها، فرجع بعد ما تعالى النهار فقال: «مازلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد قالت نعم فقال لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزن بكلماتك لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته».